بقلم: David Davidian
الجنود يكسبون المعارك. بينما يربح الدبلوماسيون حروباً. يمكن ارتكاب إبادة جماعية، ولكن في كثير من الأحيان يتم تجنب المسؤولية ببراعة الدبلوماسيين. المفتاح في كل هذه المواقف هو المهارة الدبلوماسية. منذ ألفين وخمس مئة عام، قال صن تزو في كتابه فن الحرب، “المحاربون المنتصرون ينتصرون أولاً ثم يذهبون إلى الحرب، بينما المحاربون المنهزمون يذهبون إلى الحرب أولاً ثم يسعون للفوز”. لم تكن حرب كاراباخ الثانية مجرد كارثة عسكرية لأرمينيا، بل كانت أيضًا هزيمة دبلوماسية بطريقة غير مسبوق
وجدت أرمينيا نفسها في موضع دفاع عن النفس بعد نفاذ خياراتها الدبلوماسية. مع الآلاف من الجنود الأذربيجانيين ينتهكون حدود أرمينيا، لم يورث رئيس الوزراء الأرميني باشينيان مشكلة وطنية فحسب، بل زاد الوضع سوءًا. فلم تُعرف الدبلوماسية الأرمنية في الفترة الأخيرة بشجاعتها أو حكمتها. فمنذ وصول باشينيان إلى السلطة في حملة شعبوية، تم القضاء على العديد من الوزارات. تم استبدال بعض الوزراء عدة مرات منذ عام 2018، وبالتأكيد لم يكن أحد هؤلاء هو الأفضل أو الأذكى من بين المتاحين. تم استبدال مدير جهاز الأمن القومي خمس مرات. ونتيجة هذا الاستبدال -الذي حدث لأهواء شخصية- هي الافتقار إلى الاستمرارية الوظيفية، والذي أدي إلى نتائج كارثية خاصة لحدوثه قبل وأثناء وبعد حرب كاراباخ الثانية. في الآونة الأخيرة، تم تكليف صديق باشينيان، أرارات ميرزويان، الرئيس السابق للبرلمان الأرمني، بمنصب وزير الخارجية. رغم عدم تمتع ميرزويان بأي خبرة في المجال الدبلوماسي أو المفاوضات، مما يسمح لنا بأن نحصر وظيفته على مجرد الموافقة العمياء على سياسات رئيس الوزراء باشينيان، الذي ليس لديه هو الآخر أي خبرة في المجال الدبلوماسي أو المفاوضات.
لدى باشينيان سابقة تاريخية بتصنيفه لمأزق ناغورنو-كاراباخ على أنه مجرد عائق في طريق التقدم الاقتصادي لأرمينيا. استندت إعادة انتخاب باشينيان في الفترة الأخيرة كرئيس الوزراء الأرميني على وعود بالتوسع الاقتصادي بعد الحرب، مدعومًا بالطبع بالاستخدام الهائل للموارد الإدارية. تدفع الأدلة الكثيرة المتواجدة المرء بأن يرجح تصديق الفرضية التي تقول ان هزيمة الأرمن في الخريف الماضي كان مخطط لها. على الرغم من أن البعض قد يعتبر هذه الفرضية تآمريه، إلا أن هناك أدلة متزايدة على أن القيادة الأرمينية اعتقدت أنه خسارة حرب محدودة هي السبيل الوحيد لإقناع الأرمن وتبرير التنازل عن الأرض لأذربيجان. استنادًا إلى المصادر المتاحة للعيان، وبتطبيق أسس التفكير النقدي، فليس غريبا ان نستنتج أن سياسات باشينيان فشلت بالقدر الذي يضع أرمينيا في مأزق لا تحسد عليه:
1 – قام باشينيان بانتقاد قيادة موسكو لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي CSTO نقدا لاذعا واعتقل أمينها العام، يوري خاتشاتوروف، بسبب الأحداث التي وقعت في أرمينيا في عام 2008، عندما تم سجن باشينيان. أثار هذا الاعتقال غضب موسكو. ورغم أن أرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فعندما حان الوقت لتدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي في أمر حرب كاراباخ الثانية والأعمال العدوانية الأذربيجانية بعد وقف إطلاق النار، آثرت منظمة معاهدة الأمن الجماعي -وهو شيء متوقع- أن تقف على الحياد.
2 – اتضح أن باشينيان قد شارك في أفعال وخطابات موالية للغرب، وعلى الرغم من ذلك فلم يخلق كل ما قام به أي رد فعل من العواصم الغربية. طارد الشعبوي باشينيان مجموعة مختارة من الأوليغارشية، مما أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي الأرمني من خلال تفضيل البعض ومعاقبة الآخرين.
3 – تتطلب القواعد غير المكتوبة للتحالفات العسكرية أن يأخذ الأعضاء على عاتقهم مواجهة أي خطر يهدد دولتهم، وطلب رد من الحلفاء. يَعِد باشينيان بازدهار اقتصادي فيما بعد الحرب -على الرغم من أنه قد لزم الصمت إلى حد ما في الآونة الأخيرة- بمنعه تصعيد المناوشات مع أذربيجان. ومع استمرار تجاهل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إذا بدأت حرب أخرى في ظل وجود باشينيان، فسوف يتم تقويض ادعائه بالشرعية بشكل جاد. وبالتالي، فُقدت إحدى الركائز العسكرية للدبلوماسية الأرمينية. بالإضافة إلى ذلك، فمن غير المعروف ما إذا كانت تركيا قد هددت أرمينيا عسكريًا وتحت أي ظروف. قد يفترض المرء، حتى في أكثر الدول الغير ديمقراطية، فإن التهديدات الوطنية تُعلن على الملأ. ورغم ذلك، فإن قبضة باشينيان على السلطة تقوم على وهم “عائد السلام” الغير الموجود.
4 – حتى لو لم تكن هزيمة أرمينيا في حرب كاراباخ الثانية مخطط لها كما تدعي الافتراضات، يبدو أن باشينيان وفريقه قد أخطأوا في تقدير ما سيضع نهاية للأعمال العدوانية عندما لم يقم أحد الأطراف بالاستسلام بدون شرط. من الناحية الفنية، لم تكن أذربيجان تقاتل أرمينيا بحد ذاتها، بل كانت تحارب أرمن ناغورنو كاراباخ. لذا فإن هزيمة أرمينيا باستسلام غير مشروط لم تكن مضمونة، لأن أذربيجان لا تمارس السيادة على منطقة ناغورنو كاراباخ الرئيسية التي يسكنها الأرمن. يدير أرمن ناغورنو كاراباخ شؤونهم المحلية. فمع افتقار أرمينيا إلى الحنكة السياسية المهنية، ومع وجود وزارات كاملة مع أصدقاء وأتباع باشينيان، كان بإمكان المرء أن يتنبأ بأن أرمينيا قد تم التفوق عليها دبلوماسياً، مع الخيارات المحدودة جدا. لا تزال أذربيجان تحتجز أسرى حرب أرمن ورهائن مدنيين وتستخدمهم لانتزاع المزيد من التنازلات من أرمينيا. أعلن باشينيان بشكل دوري أنه سيتم التنازل عن القرى الأرمنية لأذربيجان، غير متفهم أنه بتنازله هذا لن يلحق الضرر بأذربيجان ولكنه سيدمر حياة وعائلات الأرمن، ويقوض نفسياً النسيج الاجتماعي للأرمن.
5 – في ال 14 من يوليو 2021، صرح الرئيس الأذربيجاني علييف (النص معاد صياغته) إذا استمرت الحرب، فقد كنا سنتكبد عناء المزيد من الخسائر. كان من الممكن أن نواجه صعوبات في تحرير كيلبجار ولاتشين بسبب قدوم الشتاء. كانت كل من لاتشين وكيلبجار من المناطق التي تنازل عنها الأرمن، بدون أي قتال تقريبا. كانت هذه المناطق ذات قيمة استراتيجية للأرمن، عسكريًا وثقافيًا. لا بد أن باشينيان كان على علم بالوضع العسكري الأذربيجاني كما أوضحه علييف، بعد فوات الأوان. سمحت تنازلات الخريف الماضي لأذربيجان اليوم بمضايقة القرى الحدودية الأرمينية وإغلاق الطرق وما إلى ذلك. يضطر المرء إلى التساؤل عن المنطق العسكري أو الدبلوماسي الذي تم استخدامه عند التنازل عن هذه المناطق؟ ربما كانت هذه منطقة خلاف، لكن حتى لو تمت تسويتها، فالنتيجة كانت خسارة فورية للخيارات الدبلوماسية والتفاوضية الأرمينية.
الطريقة الأمثل لضياع الدولة هي إهمالها لفن الحرب. الطريقة الأمثل لبناء دولة هي أن تكون ماهرًا في فن الحرب “. – نيكولو مكيافيلي
الكاتب: ديفيد دافيدان (محاضر في الجامعة الأمريكية بأرمينيا. أمضى أكثر من عقد من الزمان في تحليل الذكاء التقني في كبرى شركات التكنولوجيا. ويقيم في يريفان، أرمينيا).